الثلاثاء، 24 يناير 2012

حماة .. مأساة العصر*

أنا أشارك في حملة عنقاء سورية .. حماة إحياء للذكرى الثلاثين لمجزرة حماة 
أنا فتاة اجتماعية -جداً- لدي استعداد أن أبدأ الحديث مع شخص لا أعرفه، أبادل الناس النظرات مباشرة في أعينهم .. اعتزلتهم جميعا بسبب الغربة، بعد ما خرجت من أرضي - مرتين - وخرج مني كل شيء، إلا ذكرى واحدة!


بسبب نمطٍ سائد، يعتاد الناس قلة المروءة! تراها ميتة في أعينهم، يعلمون بكل ما يجري ولا يعلمون شيئا، يتباكون على جراحنا - سرا - خوفا من البطش! بسبب القصص التي قرأتها في طفولتي أتخيل أن يقوم الناس قومة واحدة، يذهبون إلى قلعة الطاغية - هم والجنود - يدكون أسوارها، ويحررون الناس مما وقع عليهم من الظلم والعذاب، وينقذون ما بقي من حماة!

تلك المدينة الواقعة في حفرة يسقط إليها كل طاغية فيذوق من جبروت أهلها ما يدمر أنفته، فلا ينتظر الصباح حتى يفتك بها!

مرة، وأخرى، وتليها واحدة ... تمر المحنة، يقوم أهلها ينفضون عن المدينة غبارها، وعن الشهيد نجاسة قاتله، أطلقوها عليه في رصاصة! يدفن الشهيد، ويعود من بقي من أهله إلى أعمالهم، يغازلون القائد المفدى بهيّ الطلّة ذا الانجازات العظيمة التي يرون آثارها في الأبنية المدمرة، ويشمون رائحة دماء فدائيّيها في الجو!

يعلمون كم يحمل الحمويّ في قلبه، وعن تجربة أقول: في حماة لا يسقط أي شيءٍ بالتقادم!!

أذكركم بنفسي، أنا فتاة بعيدة، بعيدة جداً .. في وحدتي الملمة رسمت صور المدينة أتخيلها كيف أصبحت الآن .. تلك المدينة التي خلال عشر سنوات لم أدخلها إلّا مجاملة، أبحث فيها عن فعاليات مسلية فأجد كل شي منكفأ ً على نفسه، يتجاهلني، يعايرني بأني أمر هنا ساخرة من كل شيءً لأني لا أعرف كم شابا ً قتل حيث موطئ قدمي الوقحتين.

"اللي مات الله يرحمه، بس .." وتتبعها هزة رأس، يمينا وشمالا، أنا عرفت من عدة أيام ما تتمة هذه الجملة.

حدثوني عن الإبادات الجماعية، عن معالم للمدينة أصبحت مذبحا ً لقرابين حكم آل الأسد! عن جارهم هذا، وذاك، كيف مات، كيف قلعت عينا طبيب العيون، ما مر على أحدهم في المعتقل، عن جهل من كان يتجرأ ويقتل كبير القوم، أو مثقفا متعلماً أتى بشهادات من أصقاع الأرض! وكلما ازددت علما ً امعنوا في تعذيبك .. جزاء وفاقاً!!

كاذب من نفى عنهم الطائفية، من قال عنهم قوميين عرب كان يخادع نفسه! كل ذلك الحقد الديني، المذهبي، الطبقي، المادي، العلمي، هجم عليهم دفعة واحدة وفتك بهم! قتل من قتل .. واعتقل منهم سيء الحظ .. وهاجر من استطاع وأصبح - افتراضيا - في قائمة العملاء الخونة الفارّين!

مات الطاغية الأكبر.

خلال سنوات تغير وضع الطائفة، طبقات الحقد زال الكثير منها وبقي آخر بحكم الوراثة والاكتساب من المحيط "التشبيحي" بطبيعته. تغيرت تركيبة الجيش وتداخلت الطوائف في الحزب، لكن الخوف من البطش لا يزال سيد الموقف، يحيّون القائد المفدى الذي إن لم يرض عنك أيها الذليل جعلك عبرة. وأصبح الغلام رئيسا!

قصص قرأتها في طفولتي، اقرأها اليوم في شريط الأخبار.

قتل الكثيرون على أمل أن يؤدي الإرهاب مفعوله، كذب سياسي تمرّس الحزب فيه، لكن لا فائدة! يزيدون .. يتكاثرون ، كلهم يريد الثأر لشيء ما! وكلما علا صوت يعد بالإصلاح ينادي بأن هذا القتل "طارئ وفرديّ" نبش السوريون العار في تاريخ النظام، وكان دائما على رأس القائمة .. اجتياح حماة!

في ذلك العام، قاتل الإسلاميين وأباد بحجتهم مئات الآلاف من سكان المدينة! غرة رمضان، استيقظنا لنسمع باقتحام المدينة وقصفها! وأمس..! متى تكون آخر جراحها؟ ابنة العاصي الكريمة والودودة؟!

"جرح الجسد أهين من جرح الكرامة!" - صوت من مآذنها.


* عنوان كتاب كان في بيتنا وقع كثيرا في يدي وأنا طفلة، كان من "الأسرار"!!